ACLS

القضية المرفوعة ضد الأسد

Today's Headlines

طوال أكثر من أحد عشر عامًا، كان هناك القليل من المساءلة الجدية حول ارتكاب بشار الأسد ونظامه لأسوأ الفظائع في القرن الحادي والعشرين، لكن يبدو أن تزايد الأدلة الموثَّقة على سياسة الأسد المتعمدة للقتل الجماعي والتعذيب قد يغير هذا الوضع، فقد سلَّطت المحاكمات الأوروبية الأخيرة الضوء على جرائم حرب محددة ارتكبها نظام الأسد، وهي ليست سوى غيض من فيض مما فعله.

إن كمية المواد الموثَّقة حول الفظائع واسعة النطاق التي ارتكبها نظام الأسد منذ بداية الثورة السورية فريدة من نوعها في القانون الإنساني الحديث والعدالة والمساءلة. فمنذ عام 2011، قامت مجموعة من المنظمات غير الحكومية بجمع أدلة هائلة على جرائم النظام السوري ضد الإنسانية، وذلك بهدف دعم التحقيقات والمحاكمات الدولية. يعمل المؤلفان كعضوين في المجلس الاستشاري لإحدى المنظمات الكبرى غير الحكومية، وهي اللجنة الدولية للعدالة والمساءلة (CIJA).

جمعت CIJA أكثر من مليون صفحة من السجلات الخاصة بالنظام السوري، وتُظهر هذه السجلات بتفصيل شامل كيف نفذ بشار الأسد وأجهزته الاستخباراتية والأمنية – وما يزالون إلى يومنا هذا – حملة مُتعمَّدة ومنهجية ومخططًا لها من القتل الجماعي والتعذيب لإبقاء الأسد في السلطة. وقد سمحت لجنة العدالة الجنائية الدولية للمؤلفَين بالكشف علنًا لأول مرة عن ملخصات العديد من موجزاتها القانونية التي تصنف فئتين من السلوك الإجرامي: تعذيب نظام الأسد للمعتقلين وقتلهم، واستخدام النظام للقوات العسكرية وشبه العسكرية لارتكاب فظائع داخل المدن السورية.

الجرائم في معتقلات الأسد

منذ عام 2011 اعتقل نظام الأسد أو اختطف أكثر من 200 ألف مواطن سوري اختفوا في المعتقلات، ويعتبر التعامل بشأن هؤلاء المعتقلين قضية مهيمنة في المجتمع السوري اليوم، ذلك أن ملايين الأسر السورية لديها أفراد مجهولي المصير. يُظهر الملخص القانوني لـ CIJA – والمكون من 478 صفحة – جرائم ضد الإنسانية ارتكبت في مرافق الاحتجاز التابعة للنظام السوري، وهذا الملخص متاح لسلطات إنفاذ القانون على أساس الضرورة الملحة لنشرها والتعريف بها، لكنه ليس متاحاً للجمهور العام، ويظهر الملخص كيفية إطلاق بشار الأسد وضباطه الكبار حملة لاعتقال وتعذيب وقتل مواطنين سوريين خلال سنتي 2011-2012. ويربط الملخص نظام التعذيب والقتل الجماعي هذا بآلية ممنهجة وجهها الأسد علناً وبشكل واضح، ويسلط الضوء على الجرم الجنائي لسبعة من كبار المسؤولين في نظام الأسد، والذين طبقوا سياسته في الاعتقال الجماعي والتعذيب والقتل والجرائم الدولية الأخرى، وهم: الأمين العام لحزب البعث محمد سعيد بخيتان، ووزير الداخلية محمد الشعار، ومدير المخابرات العامة اللواء علي مملوك، ونائب مدير المخابرات العامة ديب زيتون، ورئيس المخابرات العسكرية اللواء عبد الفتاح قدسية، ومدير المخابرات الجوية اللواء جميل حسن، ومدير المخابرات العسكرية الفرع 293 اللواء رفيق شحادة. من خلال هؤلاء المسؤولين والضباط الكبار، أدار الأسد عمليات الاعتقال لأجهزته الأمنية والاستخبارية الرئيسية الأربعة، والتي ذكرت جميعها بعد ذلك بتفاصيل مؤلمة “نجاحات” كل منها في تنفيذ أوامر الأسد.

يحتوي الملخص القانوني على سجل شامل للجرائم التي ارتكبتها الدولة والتي كانت صادمة في نطاقها وقسوتها. وقد تم الإبلاغ عن مثل هذه الأعمال على نطاق واسع من قبل الناجين والمنشقين، لكن لم يتم تتبعها من قبل إلى أوامر موقعة ومحددة. “ستيفن راب” رئيس مجلس مفوضي CIJA ورئيس مجلس الإدارة والسفير الأمريكي السابق لجرائم الحرب (وهو الذي قاد فرق الادعاء في المحاكم الجنائية الدولية لرواندا وسيراليون) كان قد صرَّح لصحيفة The New Yorker أن توثيق الجرائم الجنائية لنظام الأسد “هو أكثر زخماً بكثير من أي شيء قد رأيته، وأكثر هولاً من أي شيء كنت قد قمت بمقاضاته في هذه المنطقة.”

الجرائم التي ارتكبتها قوات نظام الأسد

صدمت الحملة العسكرية التي شنها نظام الأسد ضد المعارضة في منطقة حمص في أواخر عام 2011 وأوائل عام 2012 السوريين والمجتمع الدولي في وحشيتها على حد سواء. أصدرت CIJA تحقيقًا من 284 صفحة حول هجوم نظام الأسد الذي أسفر عن مقتل الآلاف من المدنيين السوريين وتدمير مساحات شاسعة من منطقة حمص. يوضح تقرير التحقيق انتهاكات القوات المسلحة السورية لقانون النزاع المسلح فيما يتعلق بالعمليات العسكرية في حمص، خلال الفترة الممتدة من اكتوبر 2011 إلى مارس 2012، وكيف أدار بشار الأسد وكبار ضباطه في النظام جرائم الحرب الممنهجة والجرائم التي ترتكبها قواتهم ضد الإنسانية في حمص. يُظهر التقرير أن كلاً من الخلية المركزية لإدارة الأزمات التابعة للنظام، ومكتب الأمن القومي – وهما أكبر جهازين لصنع القرار لدى الأسد  – كانا مسؤولين عن التعامل مع الانتفاضة على مستوى البلاد، وقد كان لهما إشراف عملياتي مباشر على جرائم النظام في حمص نفسها. يُحمِّل التقرير المسؤولية الجنائية الواضحة للعديد من أعضاء القيادة السورية العليا، بمن فيهم اللواء علي أيوب، نائب رئيس الوزراء الحالي ووزير الدفاع الأسبق، ووزير الدفاع السابق اللواء فهد جاسم الفريج. كما يُظهر التقرير أن اللواء علي مملوك، المستشار الأمني ​​الأقرب والأكثر نفوذاً لدى الأسد، كان له دور مباشر في الإشراف على عمليات القمع في حمص، مثلما فعل اللواء ديب زيتون، نائب علي مملوك منذ فترة طويلة.

يُظهر تقرير التحقيق والوثائق التي يستشهد بها بتفصيل شامل أنه بموجب معرفة الأسد المباشرة وتعليماته، قام هؤلاء الرجال وزملاؤهم من أعضاء الجهازين المذكورين بتخطيط وقيادة عمليات النظام اليومية ضد الأحياء التي تسيطر عليها المعارضة في حمص في عامي 2011-2012. اجتمعت خلية الأزمة يوميًا تقريبًا خلال تلك الفترة، مع الاحتفاظ بمحاضر الاجتماعات الدقيقة التي سلموها يدويًا إلى الأسد لتلقي ملاحظاته وموافقته وأوامره للعمليات المقترحة. وفي يوليو وأغسطس 2011 أمر هذين الجهازين كل القادة العسكريين والسياسيين لدى النظام بإجراء “عمليات تفتيش” يومية، وهو تعبير مُلطَّف عن عمليات التمشيط والمداهمات والاعتقالات الجماعية، وفي كثير من الأحيان، عمليات الإعدام الميدانية. وعندما رأوا في أوقات مختلفة أن المسؤولين المحليين كانوا ينفذون “عمليات التفتيش” بجهد ضئيل للغاية، أرسلوا علي مملوك وديب زيتون إلى حمص لتولي السيطرة المباشرة على الأجهزة الأمنية هناك.

بين أغسطس وأكتوبر 2011، وبموافقة الأسد المباشرة، استبدلت كل من خلية الأزمة وجهاز الأمن القومي كل القادة الذين وجدت أنهم يتعاملون بفتور مع الأوضاع، وبحلول أواخر عام 2011 وأوائل عام 2012، نجح هذا الجهازان في نشر قوات النظام العسكرية وشبه العسكرية، ولا سيما الفرقة 18 في الجيش السوري والفيلق الثالث بقيادة اللواء وجيه يحيى محمود، بهدف تطويق عدة أحياء في حمص، وخاصة بابا عمرو والخالدية، وقصف المدنيين المحاصرين فيها أو قنصهم بشكل عشوائي. وقد لقي آلاف المدنيين مصرعهم عندما بلغ الحصار ذروته بقصف استمر 27 يومًا في فبراير 2012.

بعد انسحاب قوات الثوار من حمص في أواخر فبراير ومطلع مارس، استمرت المذبحة، حيث دخلت قوات نظام الأسد والمقاتلون شبه العسكريون الأحياء المحاصرة من دون مقاومة تذكر، ونفذوا إعدامات ميدانية لما يقرب من 1200 رجل وامرأة وطفل، وفي كثير من الأحيان أحرقوا الجثث لدرجة يصعب التعرف على هويات أصحابها. كما ارتكبت قوات النظام عمليات اغتصاب وتعذيب على نطاق واسع في نفس الأحياء. وعلى هامش هذه الفظاعة، تم استهداف مقر خلية الأزمة نفسها بعد أربعة أشهر من قبل الثوار الذين تمكنوا من قتل العديد من كبار أعضاء الخلية الذين حضروا أحد اجتماعاتها اليومية.

هناك ملخصات قانونية أخرى لـ CIJA، وهي الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب المكونة من 171 صفحة التي ارتكبها الجيش السوري والقوات المسلحة في بلدة “الحراك”، وتوضح كيف ارتكب نظام الأسد جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب ليس فقط ضد التجمعات السكانية الكبيرة مثل حمص، ولكن ضد المجتمعات الصغيرة في جميع أنحاء البلاد أيضًا. إن هجوم النظام الوحشي على الحراك – وهي بلدة في محافظة درعا – حيث نشأت الثورة، هو مثال ممتاز على عدم وجود “بقعة ساخنة”، كما أشار إليها الأسد ومعاونوه، فقد كانت البلدة صغيرة جدًا على أمن الأسد وجهازه العسكري. يُظهر ملف لجنة العدالة أن اللواء 52 في الجيش السوري تلقى في 12 أغسطس 2012 برقية من قيادة فرقته تطلب من اللواء إبلاغ أهالي الحراك بأنه “في حال وقوع أي إطلاق نار أو اعتداء على جندي أو مركبة عسكرية، فإن الحي سيدمر.” وعلى الرغم من ضعف قوة اللواء، الذي أظهر تقرير داخلي أن 42% من أفراده قد انشقوا خلال العام الأول للثورة، إلا أن قادته نفذوا التوجيه وأخضعوا ما يقرب من 20 ألف من سكان الحراك لهجوم ممنهج بالصواريخ والبراميل المتفجرة ونيران القناصة. وأشار تقرير داخلي الى أن وحدات قائد مدفعية اللواء 52  أطلقت 2091 قذيفة على الحراك خلال العملية.

في آخر يوم من شهر رمضان في أغسطس 2012، وبعد حصار استمر شهرًا، شنَّ آلاف الجنود من اللواء 52 واللواء 90 واللواء 112 والفرقة الرابعة والفرقة الخامسة والحرس الجمهوري هجومًا نهائيًا على الحراك. وفي إحدى الحالات التي تم تسجيلها في هذا الصدد، داهم ما يقرب من 25 جنديًا من جنود نظام الأسد ملجأً مكتظًا بالمدنيين عند مدخل البلدة، وروى شهود عيان أن قوات الأسد نقلت الرجال إلى داخل الملجأ معصوبي الأعين ومكبلين، ثم قاموا بفرز سجناءهم قائلين: “اذهب أنت إلى الجنة، وأنت إلى الجحيم”. وروى العديد من الشهود تفاصيل المجزرة التي أعقبت ذلك، حيث قامت قوات الأسد بقتل ما لا يقل عن 13 مدنياً بالسكاكين وبالضرب على الرأس، ولا يزال العدد الإجمالي للضحايا غير معروف، وقد تم التعرف على عشرات الضحايا، لكن كان هناك ما لا يقل عن 63 جثة أخرى كانت قد أحرقت بشكل يتعذر التعرف عليه. استمر الهجوم البري لنظام الأسد على الحراك لمدة ثمانية أيام وتُركت أجزاء كبيرة من المدينة في حالة خراب.

كافأ الأسد العديد من القادة المتورطين في الحملة الوحشية بالترقيات.

استثمر بشار الأسد وآلته الدعائية طاقة وموارد هائلة في تصوير الأسد كقائد متحضر يلتزم بالقانون ويحمي بلاده فقط من المتطرفين المدعومين من الخارج. وبغض النظر عن مدى خطورة الادعاءات أو الأدلة القاطعة، فقد أنكر الأسد الجرائم التي سمح هو نفسه لقواته بارتكابها مع إبعاد مؤسسات نظامه عن الفظائع. لقد استفاد الأسد بشكل كبير من الغموض الملحوظ حول دوره، ولهذا السبب تدعو بعض الحكومات في العالم العربي على وجه الخصوص إلى استعادة العلاقات الطبيعية مع الأسد دون أي شروط أو عواقب للدمار الذي أحدثه. ولكن مواد وتقارير CIJA تضع حدًا لهذا الغموض بشكل نهائي.

نواف عبيد وجويل رايبورن هما مفوضان للجنة العدل الدولية. عبيد عضو رئيسي في قسم دراسات الحرب في كينجز كوليدج، ورايبورن عضو زائر في معهد هوفر بجامعة ستانفورد. هذا المقال جزء من دراسة أكبر بكثير حول القضية ضد الأسد والتي سينشرها معهد هوفر في الخريف.

    Subject:

    Your Voice:

    Your Name

    Your Email

    Word File:

    للاشتراك في قائمتنا البريدية اليومية ، املأ النموذج التالي:

    Scroll to Top

    To subscribe to our daily mailing list, fill out the following form: