ACLS

سبع أساطير حول الاتفاقية “التاريخية” لترسيم الحدود الإسرائيلية اللبنانية

Today's Headlines

أشاد بعض المعنيين في كل من الولايات المتحدة وإسرائيل باتفاق ترسيم الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان، والذي توسطت فيه إدارة بايدن مؤخرًا، ووصفوه بأنه “نجاح كبير”، وشبهوه باتفاقات “ابراهام” مدعين بأنها خطوة كبيرة نحو تطبيع العلاقات بين “الدولة اليهودية” و”عدو عربي تاريخي”. لكن الفحص الدقيق للاتفاق لا يدعم هذا الرأي أبداً.

قاد “عاموس هوشستين” كبير مستشاري وزارة الخارجية الأمريكية لشؤون أمن الطاقة، جهود الوساطة لحل هذا النزاع، وبناها على مبادرات الرئيسين باراك أوباما ودونالد ترامب للتوفيق بين الادعاءات المتضاربة لإسرائيل، والتي ادعت بأن الخط 1 (انظر الخريطة) هو الحد الشمالي للمنطقة الاقتصادية الخالصة (EEZ)، في حين ادعت لبنان بأن الخط 23 هو حدها الجنوبي.

في الأشهر الأخيرة من إدارة ترامب، عدَّل المفاوضون اللبنانيون مطالبهم ونقلوها جنوبًا إلى الخط 29، لكن بيروت لم تسجل أبدًا هذا الادعاء الجديد لدى الأمم المتحدة. بعبارة أخرى، ظل الخط 23 دائمًا هو الموقف اللبناني الرسمي. عندما وصل هوشستين إلى بيروت في فبراير الماضي، تخلت الحكومة اللبنانية فجأة عن إصرارها على الخط 29 وقدمت انسحابها كدليل على مرونتها، واقتراح تسوية بانسحابها إذا فشلت المفاوضات في تحقيق نتائج مرضية.

بدا التبني المتأخر والفاتر للخط 29 متقلبًا، لكن اللبنانيين كانوا يصنعون ذريعة للادعاء بأنه ليس للإسرائيليين الحق في ضخ الغاز من حقل “كاريش” وهو الحقل الواقع في أقصى شمال إسرائيل. يقع حقل كاريش جنوب الخط 23، لكن الخط 29 يمر عبره. وإذا افترضنا بأن الحدود اللبنانية الإسرائيلية تقع على طول الخط 23 أو على طول نقطة أخرى شمالاً، فإن حقل كاريش يقع بالكامل داخل المنطقة الاقتصادية الخالصة الإسرائيلية. ومن خلال جعل الخط 29 جزءًا من النقاش، فإن بيروت تزعم أن حقل كاريش يقع جزئيًا في المياه اللبنانية وأن استغلال إسرائيل لها يشكل سرقة لموارد لبنان.

اتضحت القيمة الكاملة لهذا التكتيك في يونيو الماضي عندما وصلت المنصة العائمة للاستثمار في حقل كاريش إلى المياه الإسرائيلية من سنغافورة – حيث تم تصنيعها – فقام كل من الرئيس اللبناني ميشال عون والأمين العام لميليشيا حزب الله حسن نصر الله، باستخدام وصول الحفارة كجرس انطلاق لجهود الفريق المشترك لجر الأمريكيين إلى النزاع إلى جانب لبنان.

حذر عون إسرائيل من أن أي نشاط في المنطقة “يشكل استفزازًا وعملاً عدائيًا”، ثم دعا عاموس هوشستين إلى بيروت، والذي وصل في منتصف يونيو، وما لبث حسن نصر الله أن أطلق طائرات مسيرة -تم الحصول عليها من إيران غالباً – باتجاه منصة الغاز. فبالإضافة إلى ترهيب الإسرائيليين، كان الهدف من هذا العمل هو مطالبة هوشستين وزملائه في واشنطن بالاستعجال. وفي 13 يوليو ألقى حسن نصر الله خطاباً أمهل فيه هوشستين والمفاوضين شهرين ليخرجوا بنتائج. وقال: “إذا لم نحصل على ما نريده بحق من المفاوضات، فستكون هناك تكلفة أعلى، إذ ستحلق طائراتنا المسيرة إلى ما وراء حقل كاريش.”

آتت جهود الفريقين بثمارها. فمن جهته تبنى الرئيس جو بايدن بنفسه الجدول الزمني لنصر الله، وذلك عندما تحدث الرئيس مع لبيد في أغسطس، و”شدد على أهمية اختتام مفاوضات الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان في الأسابيع المقبلة”، بحسب ما صرح به البيت الأبيض. وتحت ضغط عسكري من حزب الله وضغوط دبلوماسية من واشنطن، فعلت إسرائيل ما رفضت فعله لأكثر من عقد: أسقطت مطالبتها بالخط 1 أو أي موقف تسوية وقبلت بدلاً من ذلك بالموقع اللبناني، ألا وهو الخط 23.

باختصار، شجعت الولايات المتحدة إسرائيل على التنازل عن كل مطالب حزب الله. في المقابل، ادعى لبيد أن إسرائيل تجنبت الصراع، معترفاً بأنه تنازل تحت الضغط عن فترة هدوء تستمر حتى يقرر حزب الله – الذي ليس عليه التزام تجاه أحد – إنهاءها.

وفيما يلي سبع خرافات حول اتفاقية الحدود البحرية الإسرائيلية اللبنانية، وتوضيحات حول ما تعنيه هذه الصفقة.

خريطة نزاع الغاز على حدود لبنان وإسرائيل

المصدر: داريو صباغي، “بالشرح: تجديد النزاع على الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان”، ميدل إيست آي، 11 يونيو 2022 

https: // www. middleeasteye.net/news/explained-israel-lebanon-maritime-border-dispute- Renewed.

ملاحظات: كان الخط 1 يمثل الحدود البحرية التي تطالب بها إسرائيل. في حين أن الخط 23 يمثل الحدود البحرية التي تطالب بها للبنان، ومن المرجح أن يصبح حدودها الرسمية. وكان الخط 29 عبارة عن مطلب لبنان المعدل الذي لم تسجله بيروت لدى الأمم المتحدة.

الخرافة الأولى: “الاتفاقية ستجعل لبنان أقل اعتماداً على إيران.”

الحقيقة: يشتهر لبنان بالفساد ويخضع لسيطرة حزب الله، الذي بدوره تسيطر عليه إيران.

سيقسِّم الأصدقاء المعتادون الأموال فيما بينهم، وسيحصل حزب الله على نصيبه. إن إثراء دولة لبنان المستقلة الوهمية دون إثراء حزب الله وإيران أمر مستحيل. لذا فإن الاتفاقية لن تقلل من قبضة حزب الله على الحكومة بأي شكل من الأشكال.

الخرافة الثانية: “إسرائيل بحاجة إلى هذا الاتفاق للشروع في استغلال حقل كاريش للغاز.”

الحقيقة: كانت شركة Energean، وهي الشركة التي تعاقدت معها إسرائيل لتطوير حقل غاز كاريش، قد بدأت عملها وكأنه لن تكون هناك صفقة مع لبنان، واستمرت في العمل عندما هدد حزب الله بالحرب.

من وجهة نظر تجارية، كان الاتفاق غير ذي صلة بالجانب الاقتصادي أساساً. إذ يزخر العالم بأمثلة لشركات تستغل حقول الغاز في مناطق اقتصادية خالصة غير محدودة أو حتى متنازع عليها بشدة. وعند اتخاذ قرار بشأن مكان العمل، تعتمد الشركات على الضمانات الأمنية والمالية من البلدان المضيفة لها، وليس على الاتفاقيات الدولية. ولم ينقذ محامو الأمم المتحدة على الإطلاق عمالاً في منصة غاز حوصرت في مرمى نيران الجيوش المعادية.

لكن حتى من وجهة نظر قانونية بحتة، لم تكن أبداً ملكية إسرائيل لحقل كاريش هي القضية. إذ لطالما راهن اللبنانيون على مطالبهم الرسمية إزاء الخط 23. لذلك كان حقل غاز كاريش الواقع جنوب ذلك الخط، واضحًا في المنطقة الاقتصادية الخالصة لإسرائيل.

أما نصر الله، فهو لم يهدد بالهجوم لأنه اعتبر استغلال حقل كاريش عملاً استفزازياً وعدائياً بشكل خاص. وأوضح نصر الله أنه يرى وجود إسرائيل ظلمًا جسيمًا ومستمرًا وإهانة لجميع المسلمين وتهديدًا للبنان. “أين بحرنا؟” سأل في كلمة ألقاها يوم 11 أكتوبر، بعد الانتهاء من اتفاق الحدود البحرية. وأجاب: “بالنسبة لنا، بحرنا يمتد إلى غزة”. من وجهة نظر نصر الله، فإن مصفاة النفط في حيفا ومحطة الطاقة في الخضيرة إهانة مثل منصة كاريش.

الخرافة الثالثة: “الصفقة هزيمة كبيرة لحزب الله وإيران.”

الحقيقة: لنصر الله والزعيم الإيراني علي خامنئي كل الحق في الاحتفال بهذا الاتفاق باعتباره انتصارًا كبيرًا واستسلامًا من قبل كل من الولايات المتحدة وإسرائيل.

كما وصف نائب الأمين العام لحزب الله، نعيم قاسم، اتفاقية الترسيم في 15 تشرين الأول أكتوبر بأنها  “إنجاز تاريخي”، وتابع: “كان للمقاومة [أي حزب الله] أثر كبير في تأمين حقوق النفط والغاز البحري للبنان”. و”هذا الأمر ما كان ليحدث لولا التضامن بين الدولة والمقاومة” على حد قوله.

من يستطيع أن يجادل في هذا التقييم؟ تلقى حزب الله كل ما طالب به ضمن الجدول الزمني الذي حدده. وقدمت إسرائيل كل تنازل يمكن تصوره. لم يصنع لبنان شيئاً! إنها وساطة أمريكية فائقة تكافئ حزب الله على التهديد بالحرب.

الرد الأمريكي المناسب على إطلاق حزب الله لطائرات مسيرة كان يمكن أن يكون بيانًا قويًا يؤكد ملكية إسرائيل لحقل كاريش للغاز ويؤكد حق إسرائيل في الدفاع عن النفس. بالنسبة إلى السياسيين اللبنانيين، كان على الدبلوماسيين الأمريكيين التأكيد على أن الولايات المتحدة لن تنضم إليهم كوسيط إلا بعد موافقتهم على الجلوس مباشرة مع نظرائهم الإسرائيليين.

في غضون ذلك، فإن الردع العسكري التقليدي، وليس التهدئة، هو السبيل الوحيد لاحتواء حزب الله، بل إن الردع العسكري هو أيضًا رد على التهديد الذي تشكله إيران وجميع وكلائها. ومع ذلك، تزامنت دعوة بايدن إلى لبيد مع جهود إدارة بايدن لإنهاء المفاوضات مع إيران بشأن الاتفاق النووي، لذلك ربما شجع بايدن التنازلات الإسرائيلية بهدف التقرب من إيران.

الخرافة الرابعة: “ستساعد هذه الاتفاقية في التخفيف من أزمة الطاقة الأوروبية.”

الحقيقة: لن يكون للاتفاقية أي تأثير على أوروبا على الإطلاق.

مؤرخو المستقبل فقط هم من سيعرفون على وجه اليقين ما إذا كان البيت الأبيض قد أعطى الأولوية للصفقة الإسرائيلية اللبنانية للتصالح مع إيران. لكن اللافت للنظر أن الصفقة تفتقر إلى أي ضرورة استراتيجية أخرى يمكن تمييزها. كان بإمكان هوشستين التركيز على عدد لا يحصى من القضايا الأخرى الأكثر أهمية، بما في ذلك – على سبيل المثال – العمل على حل النزاعات بين كل من حليفيّ الناتو اليونان وتركيا حول المناطق الاقتصادية الخالصة الخاصة بهم، أو جلب الغاز إلى أوروبا من تركمانستان التي تمتلك بعضًا من أكبر الاحتياطيات في العالم. وهنا، بهدف تبرير الاختيار الخيالي للأولويات، ادعى المعلقون أن هذه الصفقة ستخفف بطريقة ما من أزمة الطاقة الأوروبية، لكن ذلك لن يحدث! ليس هناك ما يضمن أن الغاز اللبناني سيطرح في الأسواق الدولية. وإذا حدث ذلك، فلن يظهر قبل خمس إلى عشر سنوات أخرى، وفي ذلك الوقت ستكون أزمة الطاقة الأوروبية قد أمست من الماضي. بالنسبة لحقل كاريش، خصصت إسرائيل منذ البداية غازها للاستهلاك المحلي فقط وليس للتصدير. كما أن الحقل صغير جدًا ولن يكون له تأثير ملموس على أسعار الغاز. على أية حال، فإن حقل كاريش، كما هو مذكور أعلاه، كان سيظهر على الخطوط من دون الصفقة.

الخرافة الخامسة: “الصفقة تعزز السلام العربي الإسرائيلي.”

الحقيقة: الصفقة لا تقدم شيئًا.

في إعلانه عن الصفقة، شدد الرئيس عون على أنه “لم يحدث تطبيع مع إسرائيل”، وامتنع عن توجيه الشكر للإسرائيليين على التنازلات التي قدموها. بالمقابل فقد توجه بشكره إلى حزب الله. وعند التوصل إلى هذا الاتفاق، لم يلتقِ أي مسؤول لبناني بمسؤول إسرائيلي أو تحدث إلى أحدهم عبر الهاتف. لن يكون هناك حفل توقيع مشترك، وبالتأكيد لن تكون هناك مصافحة في حديقة البيت الأبيض.

وبينما رفض لبنان صراحة عقد أي اتفاق مع إسرائيل، أبرم اتفاقًا واضحًا مع الولايات المتحدة حول موقع حدوده البحرية الجنوبية. يقطع الخط 23 (الحدود المتفق عليها حديثًا) خط قانا للغاز (انظر الخريطة)، وهو حقل غير مستكشف يتوقع لبنان ضخ الغاز منه. وهنا مرة أخرى رفض لبنان عقد صفقة مع إسرائيل حول الاستغلال المشترك للحقل. وبدلاً من ذلك، ستبرم إسرائيل صفقة مع شركة TotalEnergies SE، الشركة الفرنسية التي لها الحق في استغلال حقل قانا. والتعويض (غير المحدد حتى الآن) الذي ستحصل عليه إسرائيل ليس للمنطقة التي خسرتها ولكن لقسم صغير من حقل قانا جنوب الخط 23، والذي يقع بقوة في المنطقة الاقتصادية الخالصة لإسرائيل. لن يكون للبنان دور في المفاوضات بين إسرائيل والشركة التي ستكون بمثابة حاجز بين الدولتين، وعلى الرغم من أن حقل قانا احتمال يمتد عبر الحدود، إلا أنه لن يعزز التعاون.

وزعم المراقبون أيضًا أن الصفقة تمثل اعترافًا ضمنيًا لأول مرة بإسرائيل من قبل حزب الله. هذا خطأ قاطع، فقد سبق أن تفاوض حزب الله – على سبيل المثال – بشأن تبادل الأسرى من خلال وسطاء مع إسرائيل. وتعترف المنظمة بالتأكيد بأن “الكيان الصهيوني” يقيم في جنوب لبنان. كيف لا؟ الهدف من الاعتراف هو الاعتراف بالشرعية، وهو أمر يرفض نصر الله بشدة منحه لإسرائيل. اتفاق الحدود البحرية هذا يعترف ضمنيًا بإسرائيل فقط بالطريقة نفسها التي يعترف بها ضمنيًا كل صاروخ يطلقه حزب الله على إسرائيل.

الخرافة السادسة: “تعزز هذه الصفقة السلام بجعل إسرائيل ولبنان وحزب الله شركاء اقتصاديين.”

الحقيقة: لا يوجد شيء جيد في جعل حزب الله شريكاً لإسرائيل في أي عالم.

قبل سنوات قليلة فقط، سخرت أصوات مؤثرة في كل من الولايات المتحدة وأوروبا من مجرد الإيحاء بأن شراكة ألمانيا الاقتصادية مع روسيا في مجال الغاز الطبيعي ستعرض برلين لابتزاز موسكو. على العكس من ذلك، قالوا بأن ألمانيا ستربط الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى تبعية متبادلة تجعله “صاحب مصلحة” في الاستقرار الإقليمي. نادرًا ما يتم التشكيك في مصداقية أطروحة استراتيجية في أحداث السياسة الدولية بهذه السرعة والتكامل. لكن حتى مع احتدام الحرب الروسية الأوكرانية، يطبق المعلقون نفس الحسابات المعيبة على العلاقات بين إسرائيل وحزب الله.

تزعم إحدى نسخ حجة الشراكة الاقتصادية أن منصتي الغاز الإسرائيلية والأخرى اللبنانية، واللتان تعملان بالقرب من بعضهما البعض قد تحتجزان بعضهما بعضًا كرهينة. لكن الحرب القادمة التي ستندلع بين حزب الله وإسرائيل ستبدأ على الأرجح في مكان آخر. وعندما تندلع تلك الحرب، فلن يؤثر “التعايش” بين المنصتين على الأحداث. وفي هذا الصدد، فإن “تعايشهم” لن يجنب منصة الغاز الإسرائيلية الخطر. فإذا رأى حزب الله فائدة في تدميرها، فسوف يفعل ذلك ببهجة. ومع ذلك سيكون الإسرائيليون أكثر تحفظًا. سوف يترددون قبل مهاجمة المنصة اللبنانية، لأن شركة TotalEnergies SE التي ستعوض إسرائيل عن حقل قانا ستمتلكها وستكون مقيمة فيها.

الخرافة السابعة: “ستقلل هذه الصفقة بشكل كبير من التوترات بين إسرائيل ولبنان من خلال إزالة مصدر إزعاج كبير في العلاقات.”

الحقيقة: إن إزالة شكوى حزب الله هذه أو تلك اليوم، لن تمنعهم من اختلاق مظالم جديدة غداً.

حزب الله هو جناح من فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني. ومن وجهة نظر طهران، فإن هذه الجماعة اللبنانية الإرهابية تقيد إسرائيل وتردعها عن مهاجمة إيران. وإذا كانت الحرب تناسب نصر الله أو حكامه الإيرانيين، فإن حزب الله سيصنع ذريعة لبدء الحرب. وسيساعد السياسيون اللبنانيون نصر الله على اختلاق ذرائع جديدة للصراع، تمامًا كما اختلقوا الادعاء بالخط 29.

أفضل ما يمكن أن يقال عن اتفاق الحدود البحرية هو أنه ربما اشترى فترة محدودة من الهدوء بينما تبدأ إسرائيل في استغلال حقل كاريش. لكن أمريكا اشترت هذا الهدوء بأموال الحماية، أي الأموال التي انتزعتها من إسرائيل. وبتشجيع إسرائيل على دفع تكاليف الحماية، أتاحت الولايات المتحدة لحزب الله تقديم نفسه على أنه المنقذ للبنان وليس مهندس بؤسه. بالإضافة إلى ذلك، أضعفت الصفقة الردع الإسرائيلي. بالتأكيد ستكون هناك جولة أخرى من العنف مع حزب الله. عندما يأتي ذلك اليوم الحتمي، لن يكون أمام إسرائيل خيار سوى شراء الهدوء -كما تفعل دائمًا- إما بالقوة العسكرية، وإما التهديد باستخدامه. وفي هذا السياق، قوضت الصفقة قوة الردع الإسرائيلية لأنها علمت حزب الله وإيران أن التهديد بالحرب سيؤدي إلى وساطة أمريكية.

في حين أن حكومة تصريف الأعمال الإسرائيلية مستعدة لمساعدة الولايات المتحدة على خداع الشعب بهذه السياسة، يعرف الكثير من الإسرائيليين، وربما معظمهم، التهدئة عندما يرونها. ليس من المستغرب إذن أن حكومة لبيد لا تطرح الاتفاق للتصويت في الكنيست.

باختصار، لا تنتمي اتفاقية الحدود البحرية إلى إطار اتفاقات “ابراهام”، ولكنها تأتي في إطار التهدئة الإيرانية. عندما وصلت إدارة بايدن إلى السلطة، لم تخفِ ازدراءها إزاء اتفاقات ابراهام. لكن شعبية الاتفاقات أجبرت الإدارة على التظاهر بأنها تعتبرها تطوراً إيجابياً. على الرغم من أن البيت الأبيض وأنصاره يتشدقون الآن بالاتفاقات، إلا أنهم لا يستطيعون دعم سياسة تسعى لمواجهة إيران بقوة؛ أي السياسة الرئيسية التي جعلت الاتفاقات ممكنة.

بدلاً من ذلك، اختاروا تلبيس سياستهم المفضلة المتمثلة في الاسترضاء تجاه إيران بحيث تبدو شبه تطبيع مع إسرائيل، وهو نوع من اتفاقيات إبراهيم الخفيفة. من خلال القيام بذلك، علمت إدارة بايدن كلاً من حزب الله وإيران أن واشنطن مستعدة لتقديم تنازلات من حلفاء أمريكا، بما في ذلك إسرائيل، من أجل “تهدئة” الصراعات في الشرق الأوسط.

    Subject:

    Your Voice:

    Your Name

    Your Email

    Word File:

    للاشتراك في قائمتنا البريدية اليومية ، املأ النموذج التالي:

    Scroll to Top

    To subscribe to our daily mailing list, fill out the following form: