تي في 7 إسرائيل – تحليل معمق بمشاركة معهد هدسون – تحديث حول حرب إسرائيل – 25 نوفمبر 2024
مقدمة:
استضافت الحلقة الأخيرة من برنامج “تي في 7 إسرائيل – تحليل معمق بمشاركة معهد هدسون”، التي قدمها جوناثان حسن، شخصيتين بارزتين: الدكتور مايكل دوران، مدير مركز السلام والأمن في الشرق الأوسط بمعهد هدسون وعضو سابق في مجلس الأمن القومي، واللواء (احتياط) غيلياد أكوين، القائد السابق في قوات الدفاع الإسرائيلية ورئيس كليات الدفاع الإسرائيلية. تناول النقاش استراتيجيات إيران الإقليمية، ودور وكلائها، والأسس الأيديولوجية التي تحرك طموحاتها، وصولاً إلى تحليل دقيق للحسابات العسكرية والدبلوماسية الإسرائيلية.
افتتح الدكتور مايكل دوران النقاش باستعراض المشهد الجيوسياسي العام، مع التركيز على تداعيات عودة دونالد ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة. تلا ذلك تحليل مفصل من جوناثان حسن لشبكات الوكلاء الإيرانيين في سوريا وخارجها، بينما قدم اللواء (احتياط) غيلياد أكوين استكشافاً أعمق للأيديولوجية الجهادية الإيرانية وحساباتها الاستراتيجية. اختُتم النقاش بتأملات حول الأولويات العسكرية لإسرائيل وضرورة التنسيق الأميركي الإسرائيلي لمواجهة إيران.
تهيئة المشهد: الدكتور مايكل دوران يتحدث عن التحول الجيوسياسي
بدأ الدكتور مايكل دوران بتسليط الضوء على عودة دونالد ترامب وتداعياتها على الشرق الأوسط، مشيراً إلى موقف ترامب المؤيد لإسرائيل والمعادي لإيران بطبيعته، والذي يتناقض بشكل واضح مع نهج إدارة بايدن. وتوقع دوران أن تركز سياسة ترامب على الضغط الاقتصادي، رغم أن البعد العسكري لا يزال غير واضح. وأشار إلى احتمال أن تبدأ إيران حملة “همس” تقدم خلالها نفسها كطرف مستعد للتفاوض، بهدف كسب الوقت في مواجهة السياسات الصارمة المتوقعة. مستشهداً بخبرته في البيت الأبيض، أوضح دوران كيف استخدمت إيران مثل هذه التكتيكات بفعالية في عام 2006 عندما جرت محاولات لإحالة ملفها النووي إلى مجلس الأمن الدولي. وحذر من أن إيران، التي أضعفتها الضربات الإسرائيلية على دفاعاتها الجوية وتعرضها لمزيد من الهجمات، قد يدفعها لتبني أساليب مشابهة لتأخير أي تحرك أميركي في ظل إدارة ترامب.
جوناثان حسن: شبكات وكلاء إيران والتوسع الإقليمي
تابع جوناثان حسن بشرح التكتيكات التشغيلية واللوجستية التي تدعم استراتيجية إيران الإقليمية. وأوضح كيف تستخدم إيران وكلاءها في سوريا، خصوصاً في بلدة البوكمال الحدودية، كنقاط حيوية لتهريب الأسلحة والمواد غير المشروعة. تلعب الميليشيات الأفغانية المدعومة من إيران (لواء فاطميون) والوحدات الباكستانية (لواء زينبيون) أدواراً محورية في هذه العمليات، حيث تسهل نقل الأسلحة عبر الأردن وإلى إسرائيل باستخدام شبكات تضم عصابات إجرامية مرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين. تدعم هذه العمليات حركتي حماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني، مما يزيد من زعزعة الاستقرار ويعزز النفوذ الإيراني الإقليمي.
حسن شدد على دور قاسم سليماني في تصميم هذه الشبكات، موضحًا كيف أن رؤيته للحرب غير المتكافئة عبر الوكلاء سمحت لإيران بتوسيع نفوذها مع الحفاظ على الإنكار المعقول. كما ركزت استراتيجيات سليماني على خلق توافقات أيديولوجية ولوجستية بين مجموعات متباينة، مما ساهم في تشكيل “طوق النار” حول إسرائيل.
حسن أشار إلى أن عملية “كاسر الأمواج” الإسرائيلية، المصممة لتفكيك هذه الشبكات في شمال السامرة، حققت نجاحًا تكتيكيًا كبيرًا. ومع ذلك، أدى هذا الضغط على حماس إلى الهجوم في 7 أكتوبر، والذي كان محاولة يائسة ولكن محسوبة من حماس لتحويل تركيز الجيش الإسرائيلي. وإيران، التي تسعى لاستغلال هذا الاضطراب، سمحت لحزب الله بالمشاركة، مما أدى فعليًا إلى تقسيم القوات العسكرية الإسرائيلية عبر جبهات متعددة.
اللواء جلعاد أكوين: استراتيجية إيران الأيديولوجية ورؤيتها طويلة المدى
استنادًا إلى تحليل حسن، توسع اللواء جلعاد أكوين في الأسس الأيديولوجية التي تحرك طموحات إيران الإقليمية. وأكد أن “طوق النار” الذي أنشأه قاسم سليماني ليس مجرد هيكل عسكري، بل تجسيد لالتزام إيران الأيديولوجي العميق بالجهاد المستمر. أوضح أكوين أن إيران تنظر إلى الصراع على أنه مفتوح النهايات، وترفض المفاهيم الغربية التقليدية للنصر أو الحل. بالنسبة لإيران، كل مقاتل يسقط يُشبه بشجرة زيتون، حيث تغذي تضحيته نمو أجيال جديدة من الجهاديين.
وأضاف أن قادة إيران تبنوا نقدًا فلسفيًا جذريًا لمبادئ التنوير الغربي، خصوصًا أفكار هايدغر، لبناء إطار بديل للعقلانية. يقوم هذا الأساس الأيديولوجي بإعطاء الأولوية للتقدم التكنولوجي والعلمي دون قبول القيم الإنسانية العالمية المرتبطة بفكر التنوير. وشدد أكوين على أن هذا النهج يمكّن إيران من مواصلة حربها الأيديولوجية ضد إسرائيل والغرب، مع تشكيل رواية تحشد وكلاءها وتعزز رؤيتها الاستراتيجية طويلة المدى.
اختتم أكوين بالإشارة إلى أنه رغم تحقيق إسرائيل انتصارات تكتيكية كبيرة ضد وكلاء إيران، فإن هذه المكاسب يجب فهمها في سياق التزام إيران الأيديولوجي المستمر بأهدافها الثورية.
الدكتور مايكل دوران: الصراع الأوسع والأخطاء الاستراتيجية للولايات المتحدة
تابع الدكتور مايكل دوران بتأطير أفعال إيران ضمن إطار أيديولوجي وجيوسياسي أوسع. وأوضح أن حملة إيران ضد إسرائيل ليست صراعًا منعزلًا، بل جزء من معركة أكبر ضد الحضارة الغربية ككل. وبيّن دوران أن إسرائيل، في منظور إيران، ليست مجرد خصم إقليمي، بل تمثل موقعًا متقدمًا للنفوذ الغربي وإهانة عميقة للهوية الإسلامية. هذا التأطير الأيديولوجي يعزز أهمية “محور المقاومة” الذي تقوده إيران، موحدًا وكلاءها في المنطقة ضد عدو مشترك.
انتقد دوران الولايات المتحدة لتفسيرها الخاطئ لمدى الصراع، خصوصًا في ظل إدارة بايدن. وأشار إلى أن تركيز واشنطن على تأطير الأزمة كمسألة إسرائيلية-فلسطينية يتجاهل الدور المركزي لإيران في تنظيم الأعمال العدائية الإقليمية. وأوضح أن هذا المنظور الضيق يعزز موقع إيران بشكل غير مقصود، حيث يتيح لطهران تصوير أفعالها على أنها دفاعية ومشروعة في مواجهة ما تراه عدوانًا غربيًا.
وأشار أيضًا إلى نجاح إيران الغير المسبوق في مواءمة محور مقاومتها مع حركة وقف إطلاق النار العالمية، وهي مناورة دبلوماسية تعزز روايتها وتقيّد تحركات إسرائيل. وأوضح أنه من خلال التفاوض على وقف إطلاق النار بشروط إيران، تخاطر الولايات المتحدة بتعزيز استراتيجية طهران بدلاً من مواجهتها. ودعا دوران إلى إعادة توجيه السياسة الأمريكية للاعتراف بالطبيعة المترابطة لطموحات إيران الإقليمية وإعطاء الأولوية لتفكيك نفوذ طهران عبر عدة جبهات.
جوناثان حسن: تكتيكات حزب الله وديناميكيات وقف إطلاق النار
جوناثان حسن ركز النقاش على حزب الله والمفاوضات الجارية بشأن وقف إطلاق النار المحتمل على الجبهة اللبنانية. وصف حزب الله بأنه ركيزة أساسية في “طوق النار” الإيراني، مزودًا بصواريخ دقيقة وطائرات مسيرة وقاعدة استراتيجية في لبنان. وعلى الرغم من النجاحات العسكرية الإسرائيلية ضد حماس ووكلاء آخرين، أشار حسن إلى أن حزب الله لا يزال يحتفظ بقدرات هجومية كبيرة، خاصة من المواقع شمال نهر الليطاني ووادي البقاع.
أوضح حسن أن إيران تُظهر استعدادًا لدعم وقف إطلاق النار في لبنان، ليس كتنازل، بل كخطوة محسوبة للحفاظ على قوة حزب الله للصراعات المستقبلية. وأكد على المخاطر المرتبطة بالدخول في مثل هذا الاتفاق، حيث يعتبر حزب الله وقف إطلاق النار بمثابة فترات توقف تكتيكية وليست حلولًا طويلة الأمد. هذا النهج، المستند إلى الأيديولوجية الجهادية، يتيح لحزب الله إعادة تنظيم صفوفه والتسلح مجددًا والاستعداد لعدوان متجدد عندما تكون الظروف مواتية.
أعرب حسن أيضًا عن قلقه بشأن توقيت هذه المفاوضات، نظرًا لاقتراب انتقال الإدارة الأمريكية إلى إدارة ترامب الداعمة لإسرائيل. وتساءل عمّا إذا كان ينبغي لإسرائيل استغلال هذه الفرصة لفرض شروطها من موقع قوة بدلاً من منح حزب الله فرصة للبقاء في هذا الوقت الحرج.
اللواء جلعاد أكوين: التحديات الإستراتيجية وحدود العمل الأحادي
اللواء جلعاد أكوين بنى على تحليل حسن من خلال تسليط الضوء على القيود التشغيلية والإستراتيجية التي تواجهها إسرائيل في التعامل مع حزب الله وإيران. وأقرّ بأنه رغم نجاح إسرائيل في إضعاف العديد من وكلاء إيران، إلا أنها تفتقر إلى القدرة على تنفيذ عمل أحادي مستدام ضد البنية التحتية النووية لإيران أو شبكتها الإقليمية الأوسع.
أكّد أكوين على الدور الحاسم للدعم الأمريكي، خاصة في تحقيق التفوق الجوي على إيران. وأشار إلى أن دعم إدارة بايدن لإسرائيل في الصراعات الأخيرة كان عاملًا مهمًا في حسابات إسرائيل، لكن قدوم إدارة ترامب يفتح الباب أمام احتمال التحول نحو إجراءات أكثر مباشرة ضد طهران.
ومع ذلك، حذّر أكوين من أنه حتى مع الدعم الأمريكي القوي، لا يمكن لإسرائيل تحقيق “استسلام غير مشروط” على غرار ما حدث في ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية. وشدّد على أن المرونة الأيديولوجية واللوجستية لإيران، بالإضافة إلى قدرتها على إعادة تنظيم صفوفها بعد الانتكاسات، تعني أن على إسرائيل تبني نهج طويل الأمد يركز على إضعاف قدرات إيران تدريجيًا بدلًا من توقع تحقيق نصر حاسم في حملة واحدة.
في لبنان، لاحظ أكوين أن العمليات الإسرائيلية الحالية لا تشير إلى نية القضاء الكامل على حزب الله، حيث إن تحقيق “استسلام غير مشروط” من وكيل متجذر بهذا العمق يتجاوز الأهداف العملياتية الحالية. وبدلاً من ذلك، اقترح أن تركز إسرائيل على التحضير لتنسيق أوسع مع إدارة ترامب، ربما باستهداف إيران مباشرةً لإضعاف نفوذها الإقليمي من مصدره.
جوناثان حسن: الوضع في لبنان وحسابات إسرائيل
طرح جوناثان حسن سؤالاً حاسماً للدكتور دوران حول الصراع المستمر في لبنان، خاصة فيما يتعلق بمفاوضات وقف إطلاق النار. وأعرب عن قلقه من أن إسرائيل قد تقدم لحزب الله طوق نجاة في وقت يعاني فيه من ضعف عسكري وسياسي. وسأل حسن ما إذا كان من الحكمة أن تفكر إسرائيل في وقف إطلاق النار الآن، خصوصاً مع قرب تولي إدارة ترامب الأكثر دعماً لإسرائيل، مما قد يعزز موقف إسرائيل لفرض شروطها من موقع قوة.
الدكتور مايكل دوران: تقييم آفاق وقف إطلاق النار والأولويات الاستراتيجية
أقر الدكتور مايكل دوران بتعقيدات الوضع في لبنان واستعرض الضغوط المختلفة التي تؤثر على عملية اتخاذ القرار في إسرائيل. وأوضح أنه رغم تعرض حزب الله لضعف كبير، إلا أنه لا يزال يمتلك القدرة على إطلاق الصواريخ والطائرات المسيّرة من شمال لبنان، مما يشكل تهديداً مستمراً لأمن إسرائيل.
توقع دوران أن يكون وقف إطلاق النار مفيداً استراتيجياً لإسرائيل على المدى القصير. وأشار إلى أن الجيش الإسرائيلي أنهك بعد أسابيع من العمليات المكثفة على جبهات متعددة ويحتاج إلى وقت لاستعادة قوته. بالإضافة إلى ذلك، هناك ضغط داخلي قوي للسماح بعودة السكان النازحين في الشمال إلى منازلهم بأمان.
ومع ذلك، حذّر دوران من أن أي وقف لإطلاق النار مع حزب الله سيكون مؤقتاً، حيث إن التزام الحزب الأيديولوجي بالمقاومة يجعله يعتبر مثل هذه الاتفاقات مجرد استراحات تكتيكية. واقترح أن القيادة الإسرائيلية قد ترى في هذه الفترة فرصة لإعادة ضبط استراتيجيتها والتنسيق مع إدارة ترامب لتحويل التركيز مباشرة نحو إيران.
أقر دوران أيضًا بعدم اليقين المحيط بالسياسة الأمريكية، مشيرًا إلى أنه رغم أن إدارة ترامب من المحتمل أن تتبنى موقفًا أكثر دعمًا لإسرائيل، فإن الإشارات المحددة التي توجهها للحكومة الإسرائيلية لا تزال غير واضحة. واختتم بالقول إن إسرائيل قد توازن بين مخاطر وقف إطلاق النار والفوائد المحتملة لدخول مرحلة جديدة من الصراع بموقف أقوى وأكثر تنسيقًا بدعم أمريكي.
الدكتور مايكل دوران: التنسيق الاستراتيجي مع إدارة ترامب
انتقل الدكتور مايكل دوران في المناقشة إلى التوافق الاستراتيجي المتوقع بين إسرائيل وإدارة ترامب المقبلة. وأبرز إمكانية إعادة صياغة الشراكة الأمريكية الإسرائيلية للتركيز على تفكيك القيادة المركزية لإيران بدلاً من الانشغال المستمر بوكلائها.
توقع دوران أن رئيس الوزراء نتنياهو قد يعطي الأولوية لتأسيس أرضية دبلوماسية مع فريق ترامب سعياً لاتباع نهج أكثر حسمًا تجاه طهران. واقترح أن إسرائيل قد تغيّر استراتيجيتها لاستهداف “رأس الأخطبوط” – القيادة والبنية التحتية الإيرانية – بدلاً من الانجرار إلى صراعات طويلة مع أذرعها مثل حزب الله وحماس.
ومع ذلك، أقر دوران بتعقيدات مثل هذه الخطوة. وأشار إلى غياب الوضوح بشأن موقف إدارة ترامب المحدد من التدخل العسكري وما إذا كانت ستدعم بالكامل أي هجوم إسرائيلي ضد إيران. بالإضافة إلى ذلك، لفت إلى أن الجيش الإسرائيلي، رغم كفاءته العالية، يواجه الإرهاق نتيجة العمليات المستمرة على جبهات متعددة ولا يمكنه احتلال أراضٍ مثل لبنان أو غزة بشكل دائم.
خلص دوران إلى أن أفضل طريق أمام إسرائيل قد يكون في الاستفادة من موقف إدارة ترامب المؤيد لإسرائيل لصياغة استراتيجية منسقة تهدف إلى تحييد النفوذ الإقليمي لإيران من مصدره. وأوضح أن ذلك سيمثل تصعيدًا كبيرًا، ولكنه في الوقت ذاته الوسيلة الأكثر فعالية للتعامل مع التهديد طويل الأمد الذي تشكله طهران.