بقلم: رانيا قيسر
بعد الغارات الجوية الأمريكية الأخيرة التي استهدفت الميليشيات في سوريا، وجدت طهران أنه من الضروري التأكيد على دور نظام الأسد ومسؤولياته في الصراع مع إسرائيل، وتصوير سوريا كعضو أساسي في محور المقاومة. ويبرر السرد الإيراني كافة الأعمال الدفاعية الإسرائيلية الاستباقية من خلال تأكيد الدعم السوري الحاسم لحزب الله وحماس. لكنه مع ذلك يسلط الضوء على الحاجة الملحة إلى حلول مستدامة تعد باستقرار طويل الأمد وتهدف لتأمين حياة أفضل لشعوب المنطقة.
وفي حين أكد الأسد مراراً وتكراراً دعمه لحماس، قال الأسد: أن حماس “مرّغت أنف الكيان الصهيوني في التراب على الرغم من كل الدعم المقدَّم إلى جيشه.” وأضاف: “ثمن الدفاع أقل من الاستسلام”، مؤكدا دعمه لحماس في استمرار عملياتها العسكرية ومشددا على أن الصراع في غزة هو دفاع عن سوريا نفسها. وتابع بالقول: “الانبطاح أمام الأعداء، ليس خيارا, وإنما انتحار.”
بالإضافة إلى استياء الأسد بشأن احتلال اسرائيل لمرتفعات الجولان والضربات على الأراضي السورية التي تسيطر عليها إيران أو حزب الله، اتهم الأسد الجيش الإسرائيلي بالسعي للإطاحة بحكومته من خلال المشاركة في الصراع السوري. وقال إن الحرب السورية، إلى جانب الصراعات في فلسطين وأوكرانيا وبحر الصين الجنوبي وفنزويلا وأماكن أخرى، تشترك في خيط مشترك: إنها ساحات تسعى فيها القوى الغربية، بقيادة الولايات المتحدة، إلى السيطرة على السرد باعتبارها يعني السيطرة على الأرض، ووضع التلاعب بالحقيقة كهدفهم الأول.
وعلى الرغم من اعترافه بتحالف نظامه مع وكلاء إيران، سعى الأسد إلى تمييز نظامه عن جماعات مثل حماس وحزب الله والحوثيين وقوات الحشد الشعبي في العراق – وهي الجماعات التي كان دعمها حاسماً لبقاء نظامه – من خلال وصفها بأنها “فصائل مسلحة غير حكومية.” وهذا التمايز يستلزم التظاهر باتخاذ “قرارات مستقلة فيما يتعلق بالشؤون الخارجية“. ثم قامت وسائل الإعلام الإيرانية بمناورة رواية الأسد بشكل استراتيجي لتصويره كشخصية قوية واستقلالية لكنها أكدت أن الأسد «يسير حسب الاتفاق في التنسيق العملياتي واللوجستي الكامل مع المحور»، موضحاً أنه «حذر ويتخذ الحد الأدنى من الإجراءات لكنه ملتزم بدعم كامل، وإن كان غير معلن»، للحرب مع إيران ضد إسرائيل.
ويؤكد التحليل الإيراني الفارق الاستراتيجي بالنسبة للقيادة الإيرانية فيما يتعلق بقدرة صمود نظام الأسد وتكاليف إعادة بنائه مقابل إعادة بناء حماس، كمجموعة مسلحة، بسهولة أكبر بعد النكسات بسبب هيكلها التنظيمي البسيط، فإن إعادة تأهيل الدولة السورية الضعيفة تشكل تحديًا أكثر تعقيدًا ويستغرق وقتًا طويلاً. ولا يعكس هذا المنظور فقط الاعتبارات التكتيكية لإيران في دعم هذه الكيانات، بل يعكس أيضًا استراتيجيتها الأوسع والمستمرة المتمثلة في إنشاء وتعزيز وكلاء مثل حماس للصراع مع إسرائيل، مما يوضح نهجًا محسوبًا للحفاظ على نفوذها وأهدافها في المنطقة.
يشير التحليل بوضوح إلى أن المهمة الأساسية لبشار الأسد هو “محاولة منع عودة الاحتجاجات الداخلية“. وأن الأسد تلقى تعليمات “بعدم بدء حرب جديدة مع إسرائيل”، الأمر الذي قد يضع سوريا في موقف يفوق قدرات محور المقاومة. وقد تفاقم هذا الحذر بسبب الضغوط الخارجية لا سيما “وجود 30 قاعدة عسكرية أميركية” في الأراضي السورية، إلى جانب “دعم إسرائيل للمعارضة السورية”. وتم تحديد هذه العناصر على أنها مخاطر حاسمة يجب على الأسد التعامل معها بشكل استراتيجي للحفاظ على نفوذه الداخلي وتجنب تفاقم التوترات مع خصوم هائلين.
إن تقييم إيران للدور المعقد الذي يلعبه الأسد في ديناميكيات الأمن الإقليمي، صوّر دوره كقناة أساسية لنقل القوات والأسلحة إلى حزب الله وحماس، مما يؤكد أن هذا وحده يجعل مشاركته حيوية بشكل كبير لمواصلة الحرب ضد إسرائيل.
لقد أصبح وعي إسرائيل الحاد بهذه الاستراتيجية الإيرانية واضحا قبل عامين عندما بدأ جيشها رقصة الردع الدقيقة، فشن غارات جوية لعرقلة تدفق الدعم العسكري من إيران إلى حزب الله عبر سوريا. وأرسلت الحكومة الإسرائيلية عدة مرات رسائل إلى بشار الأسد تفيد بأن هذه الضربات هي بمثابة الرد على التهديدات التي يشكلها ترسيخ وتمكين هذه الجماعات بالقرب من حدودها. ومع ذلك، وعلى الرغم من كل الضربات الإسرائيلية الدقيقة والمبتكرة، فإن الهجمات المروعة التي شنها نشطاء حماس في 7 أكتوبر تؤكد أن إيران استمرت في استخدام الطريق السوري ليس فقط لتوفير الدعم للأسلحة ولكن لتمرير المخدرات التي تدفع المقاتلين إلى ارتكاب فظائع وحشية.
ومن أجل تضخيم الوكيل السوري، ادعى الإيرانيون أن القدرات العسكرية للأسد متفوقة على الوكلاء الآخرين مثل حزب الله وحماس والحوثيين والميليشيات العراقية. وبناء على ذلك التقييم، امتنع الإيرانيون عن اشتباك جيش الأسد بشكل مباشر مع الجيش الإسرائيلي، مشيرين إلى أن مثل هذه القوة من الجانب السوري من شأنها إطالة أمد الحرب ورفع مستوى المعركة. يقول الإيرانيون قوات الأسد تضم «270 ألف جندي وعسكري، و 271 طائرة حربية، ونظام دفاع صاروخي وهجومي قوي، ونحو ألفي دبابة، وآلاف المدرعات، إضافة إلى 47 سفينة حربية وسفينة نقل عسكرية»، ووفقاً لهذا التحليل، فإن مثل هذه الترسانة الهائلة تضع جيش الأسد كلاعب رئيسي يمكن أن يغير ديناميكيات الصراع بشكل كبير – وهو احتمال، “تسعى قيادة المقاومة إلى تجنبه”.
وفي تناقض حاد مع الادعاءات الإيرانية، تكشف تقييمات المسؤولين العسكريين السوريين المنشقين، بما في ذلك اللواء محمد حسين الحاج علي والعميد خالد إبراهيم،عن ضعف كبير في الجيش السوري. وترسم الدراسات التفصيلية وشهادات الخبراء صورة لجيش لا يزيد عدد أفراده عن 150 ألف فرد، وهو انخفاض كبير عن قوته المزعومة، مع انخفاض الروح المعنوية إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق. علاوة على ذلك، من الترسانة الأصلية، لم يبق سوى جزء صغير صالح للعمل – حوالي 160 من أصل 700 طائرة، و1000 من أصل 2000 دبابة، وأعداد المدفعية والمركبات المستنفدة بشدة. أما القوات الجوية، التي كانت ذات يوم رمزاً لقوة الأسد العسكرية، تضم الآن أقل من 70 طائرة قديمة تحتاج إلى الصيانة. وحتى القوة البحرية، التي يؤكدها تقييم Global Firepower، تتكون من 47 قارب دورية فقط، سبعة منها فقط مؤهلة لأن تكون سفن حربية.
تظهر مثل هذه التناقضات الصارخة بين التقييمات الإيرانية والمعارضة السورية أن إيران تبالغ في قوة الأسد لتصويره كزعيم في محور المقاومة. لا يمكن تفسير مثل هذه الادعاءات إلا على أنها محاولة إيران لإبتكار سردية وجود ردع ضد المزيد من الملاحقات الإسرائيلية المحتملة التي تهدف إلى إنهاء التهديدات على حدودها.
وحشد الدعم وتبرير المزيد من التدخل الإيراني بحجة الدفاع عن السيادة ضد العدوان الخارجي.
ربط التقييم الإيراني بين الضربات الأمريكية الانتقامية ضد المواقع العسكرية التي تضم الميليشيات المدعومة إيرانيًا في سوريا، عقب هجومهم على برج 22 الذي أودى بحياة ثلاثة جنود أمريكيين، وبين بشار الأسد. وأوضحت إيران أن هذه العمليات تضعه في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة وإسرائيل. ومن هذا المنطلق، يشير النظام الإيراني في هذا السياق بشكل خاص إلى إمكانية ظهور جبهات قتال جديدة مع إسرائيل، وخصوصًا على الجبهة السورية.
وعلى الرغم من إدراك خامنئي أن أي عمل عدواني من جانب نظام الأسد ضد إسرائيل يمكن أن يؤدي إلى تسريع انهياره، إلا أن طموحاته تظل دون رادع، ولا سيما مسألة إجبار الجبهة السورية على الدخول في مواجهة مباشرة مع إسرائيل – ما زالت مستمرة. ولذلك يطرح السؤال الملح: متى سيوجه آية الله خامنئي، المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران، دمشق إلى الحرب مع إسرائيل؟