يصادف تاريخ 30 أيلول سبتمبر 2022 الذكرى السنوية السابعة للتدخل العسكري لفلاديمير بوتين في سوريا دعماً لنظام بشار الأسد الآيل للسقوط. ومنذ أيلول سبتمبر 2015، تعاني المدن والبلدات والقرى السورية من جرائم الحرب نفسها التي يرى العالم الآن كيف ترتكبها روسيا في أوكرانيا!
يؤمن السوريون بأن الروس يروعون أوكرانيا بحرية مطلقة لسبب رئيسي، هو أنهم فعلوا مثل ذلك بالضبط في سوريا لمدة سبع سنوات من دون أن يدفعوا أي ثمن تقريبًا، وبينما يبحث العالم عن طرق لتفادي إفلات روسيا من العقاب في أوكرانيا، ستكون خطوة جيدة تحميل الروس المسؤولية عن جرائم الحرب التي ارتكبوها في سوريا، وهناك خطوات ملموسة يمكن للمجتمع الدولي – بل وينبغي له – اتخاذها في هذا الصدد.
سبع سنوات من جرائم الحرب الروسية
يمكن تلخيص التدخل العسكري الروسي في سوريا – للذين لم يتابعوه عن كثب – على النحو التالي: ابتداء من 30 أيلول سبتمبر 2015، بدأت أول غارة جوية روسية في ريف حماة الشمالي، حيث قامت القوات العسكرية الروسية، إلى جانب شركات الأمن الخاصة التابعة لبوتين مثل مجموعة فاغنر، بتغيير كل الموازين لصالح الأسد وميليشياته، مما ساعد الأسد على استعادة السيطرة على دمشق وأجزاء كبيرة من سوريا كانت تحت سيطرة قوات المعارضة السورية، منها حلب وريف حماة وريف دمشق ودرعا وحمص وغيرها. وفي كل مكان، استخدم الروس سياسة الأرض المحروقة التي تركت المناطق “المستعادة” مدمرة تمامًا على الدوام. واستخدموا القنابل العنقودية على نطاق واسع والأسلحة الحارقة المحظورة دوليًا بالإضافة إلى الهجمات بالطائرات المسيرة وصواريخ أرض-أرض. وشهدت إدلب النصيب الأكبر من هذه الهجمات، تلتها حلب وريفها وحماة وريف دمشق ودرعا وحمص وريف اللاذقية.
تتبعت العديد من المنظمات السورية حصيلة هذه الهجمات الروسية ضد المدنيين في سوريا. وأفادت الشبكة السورية لحقوق الإنسان أنه خلال سبع سنوات من تدخلهم العسكري، قتل الروس ما لا يقل عن 6943 مدنياً، بينهم 2044 طفلاً. حيث أحصت الشبكة السورية لحقوق الإنسان 1243 هجوماً روسياً منفصلاً على أهداف مدنية، منها 223 مدرسة و207 منشأة طبية و60 سوقاً. ومن جهة أخرى، أرسل الدفاع المدني السوري – المعروف أيضًا باسم “الخوذ البيضاء” – رجال إنقاذ إلى أكثر من 5700 موقع تعرض للهجوم الروسي منذ عام 2015. في عمليات الإنقاذ هذه، سجلت الخوذ البيضاء أن الروس قتلوا ما لا يقل عن 4056 مدنيًا، بما في ذلك 1165 طفلاً و753 امرأة، وجُرح ما لا يقل عن 8000 آخرين. وهكذا فإن حصيلة القتلى من الهجمات الروسية التي ذكرتها الخوذ البيضاء هي أعلى في أرض الواقع، لأن عددًا كبيرًا من ضحايا الروس ماتوا لاحقًا بعد أن تم إنقاذهم، أو لم يتمكن عناصر الخوذ البيضاء من الوصول إليهم في موقع الهجمات الروسية.
بهذه الخسائر التي كبدتها القوات الروسية للسكان السوريين، تكون روسيا قد انتهكت القانون الإنساني الدولي والمبادئ التي تحكم حماية المدنيين بشكل متكرر. لقد حاصرت القوات الروسية المدنيين وأجبرت عدة ملايين على النزوح، وتعتبر هاتان جريمتا حرب. كما استخدموا مرارًا وتكرارًا أسلحة محظورة دوليًا ضد المدنيين. وسجلت الشبكة السورية لحقوق الإنسان ما لا يقل عن 237 هجوماً بالذخائر العنقودية وما لا يقل عن 125 هجوماً بأسلحة حارقة. وبالمثل، سجلت الخوذ البيضاء 320 هجومًا روسيًا على المدنيين باستخدام القنابل العنقودية، و131 سلاحًا حارقًا، والعديد من الهجمات الروسية الأخرى باستخدام طائرات مسيرة وصواريخ أرض-أرض. بعبارة أخرى، لم يميز الروس على الإطلاق بين الأهداف العسكرية والمدنية، واستخدموا أسلحة شديدة التدمير ضد المدنيين والبنية التحتية المدنية، واستهدفوا الممرات الإنسانية عمداً.
ما الذي يمكن أن يفعله المجتمع الدولي لمحاسبة روسيا؟
لردع الروس عن الاستمرار في استخدام جرائم الحرب كطريقة لإحراز النصر العسكري، من الضروري اليوم تقديم جميع المسؤولين – بما في ذلك التسلسل القيادي الذي يوجه مثل هذه الأعمال – إلى العدالة. وحقيقة الأمر أن المجتمع الدولي يملك خيارات تحت تصرفه لفرض ثمن على موسكو إزاء هذه الجرائم، وهذه الخيارات هي كالتالي:
أولاً: تحميل الروس مسؤولية استخدام الأسلحة والتكتيكات في سوريا التي تنتهك اتفاقيات جنيف. وحث المركز السوري للعدالة والمساءلة المجتمع الدولي على القيام بعمل جاد للحفاظ على أدلة هذه الانتهاكات. كما يجب أن يأذن المجلس الأوروبي بتبني قواعد استثنائية تسمح للوكالة الأوروبية للتعاون في مجال العدالة الجنائية بجمع أدلة على جرائم الحرب في سوريا، تمامًا كما أنشأت المفوضية الأوروبية قواعد خاصة لجمع الأدلة على الانتهاكات التي ارتكبتها القوات الروسية في أوكرانيا. وسيسمح اعتماد هذه القواعد بمعالجة الأدلة وتحليلها بالتعاون الوثيق مع وكالة الاتحاد الأوروبي للتعاون في مجال إنفاذ القانون (يوروبول)، والتي يمكنها بدورها مشاركة الأدلة مع الجهات الوطنية والدولية ذات الصلة، بما في ذلك المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية.
ثانيًا: على الدول الأوروبية، وبدعم سياسي من الولايات المتحدة، أن تطلب من مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية فتح تحقيق في الانتهاكات الروسية المرتكبة في سوريا. إن المحكمة الجنائية الدولية هي أول محكمة قادرة على مقاضاة الأفراد المتهمين بارتكاب جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجرائم الاعتداء، وبالتالي يمكنها محاكمة أعضاء سلسلة القيادة الروسية مباشرة – بما في ذلك على سبيل المثال الرئيس بوتين نفسه – على دورهم في الجرائم التي ارتكبتها قواتهم في سوريا.
ثالثًا: يمكن للدول نفسها أن تلجأ إلى محكمة العدل الدولية بصفتها الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة، وتفصل المحكمة في المنازعات القانونية التي تنشأ بين الدول، وتقدم آراء استشارية بشأن القضايا القانونية التي قد تحيلها إليها أجهزة الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة. ويمكن للدول تقديم شكاوى ضد انتهاك روسيا لاتفاقيات الأمم المتحدة وأحكام القانون الدولي، على أن تفصل فيها محكمة العدل الدولية.
رابعًا وأخيرًا: قد يكون الخيار الآخر هو المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، وهي محكمة فوق وطنية تأسست عام 1959 بموجب الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان. واختصاص هذه المحكمة هو دراسة الشكاوى ضد دولة عضو تنتهك حقوق الإنسان المنصوص عليها في الاتفاقية وبروتوكولاتها.
الخلاصة
يمكن للحكومة الروسية أن تعتقد حتى الآن بأن كل من يفلت من العقاب في سوريا سوف يفلت من العقاب في أوكرانيا. وهنا يقع واجب أخلاقي ومسؤولية قانونية على دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة – على وجه الخصوص – لإثبات خطأ الروس، حيث يجب عليهم استخدام الوسائل والإجراءات المتاحة لهم لوضع حد لإفلات روسيا من العقاب على جرائم الحرب، وذلك من خلال الهيئات القضائية الدولية أو من خلال المحاكم المشتركة أو المختلطة.
لقد طال انتظار هذا الإجراء، ولو حاسب العالم الروس على جرائم الحرب التي ارتكبوها في حماة وإدلب وحلب، لما تجرأت روسيا على تكرار تلك الجرائم البشعة في بوتشا وماريوبول والعديد من البلدات الأخرى المفجوعة في أوكرانيا.