نظرة أسبوعية عميقة في الاتجاهات الإستراتيجية في الشرق الأوسط
ملخص تنفيذي:
في تحليل هذا الأسبوع، نستكشف، نحلل، ونتنبأ الإتجاهات الإستراتيجية لأقوى دولتين في المنطقة. في تركيا، واصل الرئيس أردوغان إجراء تحولات غير متوقعة في سياساته الخارجية والاقتصادية، مدفوعا بالحاجة الملحة لإنعاش الاقتصاد التركي المتعثر. في غضون ذلك، تصارع إسرائيل الانقسامات الداخلية المتصاعدة والتهديدات الأمنية داخل حدودها وخارجها.
أردوغان يغير السياسات الرئيسية لكسب الحلفاء، وجذب المستثمرين الأجانب، وتحقيق التوازن بين القوى العظمى
منذ إعادة انتخابه في مايو، أجرى الرئيس أردوغان تغييرات سريعة وزئبقية في السياسة الخارجية والمالية لتركيا. لقد سعى إلى إصلاح العلاقات مع الغرب، وحول خصومه الخليجيين إلى حلفاء، وعكس سياساته المالية العامة السابقة.
في وقت سابق من هذا الشهر، أدهش الرئيس أردوغان حلفاءه في الناتو عندما تخلى عن معارضته لطلب السويد الانضمام إلى التحالف العسكري واكتفى بضمانات تعاون من الولايات المتحدة بشأن بيع مقاتلات F-16 وحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بآلية اقتصادية جديدة مع تركيا.
حدث تحول دراماتيكي آخر عندما ضمنت زيارة الرئيس التركي للخصوم السابقين في الخليج 60 مليار دولار في اتفاقيات الشراكة الأسبوع الماضي.
أصبح هدف الرئيس أردوغان في جذب الاستثمار العالمي وخلق فرص العمل من خلال إدارة مالية عالمية واضحاً عندما عين لوزارة المالية، الإقتصادي الليبرالي محمد شيمشك والذي لم يقبل المنصب إلا بعد حصوله على ضمان عدم التدخل وتلقي تأييد أردوغان له بزيادة تدريجية في معدل الفائدة خلال 18 شهرًا. وبعد شهرين في المنصب، بدأ شيمشك في إدارة انخفاض قيمة الليرة والزيادات الضريبية، في حين أن الخبيرة الاقتصادية التي تلقت تعليمها في الولايات المتحدة حفيظة جاي إركان، وهي أول امرأة تركية يتم تعيينها محافظاً للبنك المركز قامت بمضاعفة أسعار الفائدة في تركيا. ولإزالة أي مقاومة بيروقراطية لنهج شيمشك وإركان الجديدة، عين أردوغان الأسبوع الماضي، ثلاثة نواب محافظين جدد للبنك المركزي التركي وأعلن البنك المركزي عن زيادة كبيرة في سعر الفائدة الأساسي بمقدار 900 نقطة أساس وتوقع 58 بالمائة معدل التضخم بنهاية عام 2023.
أثناء إجراء هذه التغييرات، حافظ أردوغان على استراتيجية «قدم واحدة في كل معسكر» لطمأنة الاستثمارات العالمية وإدارة التنافس بين القوى العظمى. كانت الصين مثالا على ذلك. خلال الزيارة الأولى رفيعة المستوى لوزير الخارجية الصيني الجديد إلى دولة في الناتو، والتي تمت بعد أقل من ثلاثة أسابيع من اتهام الناتو لبكين بتقويض النظام الدولي في مجالات الفضاء والإنترنت والبحرية، حيث أبلغ الرئيس التركي وانغ يي أنه قد حذر البلدان الأخرى من تهميش الشركاء في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. قال الرئيس أردوغان لضيفه الصيني مرارًا وتكرارًا إن تركيا كذلك على استعداد لتعميق التعاون مع الصين في التجارة والطاقة وتعزيز العلاقات الثنائية إلى مستوى جديد.
ومع ذلك، في إشارة إلى المزيد من اجراءات التوازن، تواصل أردوغان في الوقت نفسه مع منافسة الصين الإقليمية، كوريا الجنوبية. في 28 يوليو، استضاف فيدان وزير خارجية تركيا وزير خارجية كوريا الجنوبية بارك جين في أنقرة للتوقيع على اتفاقية خارطة طريق من أجل “شراكة ديناميكية – تركية – كورية”. ومن المتوقع أن يقفز حجم التجارة بين البلدين من 10 مليارات دولار العام الماضي إلى 15 مليار دولار. تواجه تركيا عجزا تجاريا إجماليا قدره 8.85 مليار دولار، مرتفعا بنسبة 44 في المائة اعتبارا من أبريل 2023.
لم ينته أردوغان من التغييرات المهمة في سياسته بعد الانتخابات. هذا الأسبوع، من المحتمل أن يوجه انتباهه إلى تغييرات مهمة في الجيش التركي عندما يترأس المجلس العسكري الأعلى لتقرير التعيينات والترقيات داخل القوات المسلحة.
تواجه إسرائيل خلافات داخلية متزايدة، وتهديدًا إيرانيًا جديدًا، ومبادرة دبلوماسية أمريكية غير محتملة
حدد المركز الأمريكي لدراسات الشام ACLS الأسبوع الماضي، ثلاثة مخاطر كبيرة للمصالح الإسرائيلية في الخلاف المستمر حول التغييرات المخطط لها من قبل حكومة نتنياهو على القضاء الإسرائيلي: إمكانية تزايد الاقتتال السياسي والمدني الداخلي، التدهور الأمني، والتصدعات داخل الجيش الإسرائيلي. ساءت الحالة الأولى والثانية في الأسبوع الماضي.
يوم الاثنين 24 يوليو، تحركت حكومة نتنياهو قدما مع إقرار قانون الإصلاح القضائي في الكنيست. أشاد أنصار الحكومة بالقيود الجديدة للقانون على “عقيدة المعقولية، ” أداة يستخدمها القضاء غير المنتخب في إسرائيل لإبطال قرارات الحكومة التي يعتقد القضاة أنها تهمل الاعتبارات ذات الصلة أو لا يزنونها بشكل صحيح، حتى لو لم تنتهك أي قانون محدد. تعتقد حكومة نتنياهو وأنصارها أن العقيدة خلقت عدم توازن غير ديمقراطي في القوة في إسرائيل لصالح قضاة غير منتخبين.
يزعم منتقدو الإصلاح الشامل أن عقيدة المعقولية تحمي الحقوق غير المدرجة في القانون الإسرائيلي، وأن تقييدها من شأنه أن يقوض الحماية القانونية لتلك الحقوق في بلد ليس لديه دستور مكتوب. مع إقرار قانون الإصلاح في الكنيست، استمرت الاحتجاجات في القدس، وقاطع 56 عضو من ائتلاف المعارضة التصويت و أعلن الرئيس هرتسوغ أن من هم في السلطة يتحملون مسؤولية رأب الصدع الذي أحدثه الإصلاح المطلوب.
بينما استحوذت الاحتجاجات الحاشدة في المدن الإسرائيلية على اهتمام الشرطة الإسرائيلية ومسؤولي الأمن، قام وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير بزيارة المسجد الأقصى مخاطراً بإستنزاف القوات الأمنية. لم تؤد الزيارة إلى إثارة غضب دولي فحسب، بل أدت أيضًا إلى اشتباكات بين الفلسطينيين والقوات الإسرائيلية، التي قتلت قاصرًا احتجاجًا على زيارة وزير الأمن القومي اليميني المتطرف ودفعت الإشتباكات في الضفة الغربية للإستمرار.
صباح الاثنين 31 يوليو 2023 اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي مدينة جنين واعتقلت فتحي العتوم القيادي في حركة حماس في المدينة وقيادي اخر في كتائب جنين المسلحة. وأفادت الأنباء أن المداهمة ردت على إعلان “لواء عياش” مسؤوليته عن إطلاق صاروخ على مستوطنة “رام أون” شمال الضفة الغربية. وأكد مسؤولون فلسطينيون اعتقال العتوم.
ألقى الاضطراب الإسرائيلي الداخلي والتوترات المستمرة بين القوات الإسرائيلية والمسلحين الفلسطينيين في الضفة الغربية بظلالها على الأولوية الأمريكية الجديدة المتمثلة في تحقيق صفقة تطبيع سعودية إسرائيلية. المنطقة مليئة بأخبار تحظى على إهتمام عالي تؤشر إلى أن إدارة بايدن قدمت اتفاق تحصل المملكة العربية السعودية بموجبه على ضمانات أمنية أمريكية مقابل الاعتراف بإسرائيل، بينما تعمل إسرائيل على تحسين الأوضاع في الأراضي الفلسطينية من خلال وقف المستوطنات وتجنب ضم الضفة الغربية. لكن من غير الواضح سبب خوض القادة السعوديين في صفقة تنطوي على مخاطر سياسية بينما تمر إسرائيل بمثل هذا الصراع الداخلي. يبدو أن يولي إدلشتاين، رئيس لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست، يتفق مع هذا التحليل لأنه تجاهل إمكانية عقد مثل هذه الصفقة، مشيرًا إلى أن معظم الخلاف السعودي هو مع الإدارة الأمريكية الحالية وليس مع اسرائيل.
أخيرًا، بالإضافة إلى المشاكل الأمنية لإسرائيل، في 30 تموز (يوليو)، أعلن جهاز أمن الشاباك الإسرائيلي احباط هجمات إلكترونية معقدة إيرانية ضد مسؤولين في الحكومة الإسرائيلية. كشف الأمن الإسرائيلي حملة التهكير من قبل عملاء الإنترنت الإيرانيين الذين يسعون للحصول على معلومات استخبارية حول سياسة الدولة الإسرائيلية. وبحسب ما ورد استخدم العملاء الإيرانيون اتصالات LinkedIn لاستدراج المسؤولين والباحثين الإسرائيليين لفتح ملفات ضارة تسمح للإيرانيين بالتحكم في أجهزة الكمبيوتر الخاصة بهم. تتماشى الحادثة مع تقييم خبراء الإنترنت لتزايد قدرة النظام الإيراني على الهجوم السيبراني. في مايو،أصدرت مايكروسوفت تقرير استخبارات التهديدات الذي يتتبع التصعيد السريع للهجمات الإلكترونية في إيران، مع 24 عملية معروفة منذ يونيو 2022. أشار تقرير مايكروسوفت أيضًا إلى أن النظام الإيراني بدأ في استخدام الهجمات الإلكترونية ليس فقط بالمعنى التقليدي للبرامج الضارة ولكن أيضًا لتعزيز أهداف دعائية محددة، مثل هدف طهران الأوسع نطاقًا لمواجهة اتفاقيات أبراهام، وقمع المعارضة السياسية الإيرانية الداخلية، وتعزيز التشدد الفلسطيني. خلص خبراء مايكروسوفت إلى أن النظام الإيراني يسرع في تشغيل عملياته الإلكترونية.
أظهرت أحداث الأسبوع الماضي أن أزمات إسرائيل الداخلية والخارجية بعيدة كل البعد عن التهدئة، بينما تبدو الإدارة الأمريكية أكثر تركيزًا من أي وقت مضى على صفقة التطبيع الإقليمية التي لا أمل تقريبًا في حدوثها في ظل الظروف الحالية. يتربص النظام الإيراني في الخلفية، ويبحث عن فرص لاستغلال إلهاء إسرائيل وأولويات واشنطن في غير محلها.